"لماذا عالم ينهار عالم ينهض؟":


يدعو محمد صادق الحسيني في كتابه "لماذا عالم ينهار عالم ينهض؟" الصادر حديثاً عن دار روافد في بيروت، الى اعتبار ما حدث من انتصارات على الساحة السورية قاعدة لمتغيرات طرأت على الساحة الدولية ننطلق منها لرؤية ما يجري في العالم. وهو يدعو للتأمل والبحث عما نتج عن انتصار سوريا مثلما كان العالم يطرح عند وقوع أي حدث عظيم السؤال الكلاسيكي: ماذا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ أو ماذا بعد انتصار لبنان عام 2000؟  أو ماذا بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001؟ أو ماذا بعد ما "الربيع العربي"؟
يقول الحسيني في مقدمة كتابه إن المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما الذي كتب مرافعته الشهيرة "نهاية التاريخ"، لو قُيّض له أن يكتب من جديد عن أميركا بعد صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكتب من دون شك أو تردد، كتاب "نهاية أميركا".
يهدف الحسيني في كتابه إلى تأكيد فكرته وهي أن الولايات ألمتحدة وحلفاءها في تراجع، وأن الانتصارات والتحولات في الميدان السوري هي لصالح الرئيس السوري بشار الأسد قد فرضت قراءة مغايرة لما يحدث في العالم. وإلا لماذا يقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه اللحظة استعادة أمجاد روسيا؟. ويرى أن "الأقدار تُكتب بلغة لم يألفها العالم من قبل وهي الجغرافيا التي ترسم بالدم الأحمر القاني خرائط لم تألفها أطالس الدنيا".
الحسيني يؤكد في كتابه أن إيران أصبحت قوة عسكرية وتكنولوجية وعلمية كبرى، برغم الحصار، وأن الولايات المتحدة مجبرة على التعامل مع دولة ولاية الفقيه.  يقول الكاتب: "على أقدام صناع التاريخ .. يشمخ ويرتفع في الأفق .. عالم جديد ينهض على أكتاف أجيال تعيد تدوين رواية التاريخ من جديد متخذة الوحي والنبوة مرجعاً لها بعد طول تغييب وانقلاب متعمد".
الكتاب كما يقول عنه الحسيني هو مجموعة مقالات سياسية مباشرة دوّنت بتدرج وأناة، حركة تساقط عالم قديم يشيخ، مقابل عالم جديد يسمو ويتعالى.
يبدأ الحسيني مقالاته بما سمعه من الرئيس بشار الأسد شخصياً ولم يسمعه من أحد إذ شرح له الرئيس السوري ملابسات تسوية تسليم السلاح الكيميائي، إذ يقول الأسد: "إننا بتنا نملك سلاحاً يُعمي بصر إسرائيل"، مضيفاً "بأن هذا أصبح ممكناً أيضاً بعد أن بتنا نمتلك معادلة ردعية أكثر تأثيراً ووقعاً على العدو، وهي معادلة الردع الصاروخية التي بناها لنا الشهيد القائد العميد محمد سلمان وزملاؤه.. والذين هم صاروا أشبه بحدقة عيوننا."
ويضيف الحسيني:"هذ الكلام أعرفه ومطلع عليه من قيادات إيرانية وأخرى من حزب الله تؤكد أن أي معركة مقبلة قد نضطر إلى خوضها سواء نتيجة حماقة صهيونية أو قرار اختياري ستكون فيها الغلبة لنا نحن في جبهة المقاومة والتي ستغيّر وجه المنطقة بل ومعادلة الصراع على مستوى العالم..!".
يقول الحسيني: "كثيرة هي المتغيرات التي تشهدها العالم والمنطقة هذه الأيام، وإن كان الثابت فيها حتى اللحظة واحد أحد: قرار فلاديمير بوتين استعادة الأمجاد الغابرة لروسيا القيصرية ولموسكو السوفياتية وكل ذلك ما كان ليتم لولا صمود الرئيس السوري وجيشه وشعبه وحلفائه في جبهة المقاومة بوجه الحرب الكونية المفتوحة ضده منذ ثلاث وتقدمهم المتسارع على أرض الميدان..".
ويستطرد الحسيني: "صحيح أن بوتين أدرك صوابية ما قاله المنظر الأميركي جورج كينان في أربعينات القرن الماضي، ألا وهو أن الاتحاد السوفياتي، مثله مثل روسيا القيصرية، لا يمكن أن يعيش إلا عبر التوسع، من هنا نصح كينان صناع القرار الأميركي في ذلك الحين بتطويق الاتحاد السوفياتي بمجموعة من الأحلاف العسكرية بلغت 44 حلفاً بين عامي 1947 و1949".
ثم يؤكد الحسيني فكرته قائلاً أن ذلك توسع روسيا في عهد بوتين لم يكن ممكناً لولا التحولات الحاصلة في الميدان السوري. فقرار بوتين بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا يأتي ضمن هذا الإطار.
يكشف الحسيني في "فصل الإقرار بالهزيمة أو اقتراب الظهور"، عما قاله مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي لوزير الخارجية الإيراني السابق المفاوض علي صالحي بعد أن أخذ الضوء الأخضر للتفاوض مع الأميركيين بأنه "لا يثق بالأميركيين لكنه يريد الإثبات للعالم بأن إيران لم تترك سبيلاً للحكمة والمصلحة والكرامة إلا وسلكته... فإن لم يلتزموا بتعهداتهم نكون قد أتممنا الحجة عليهم.."، والكلام لصالحي.
يرى الحسيني في هذه المقالة حتمية الحرب بين إيران وإسرائيل ويقول: "لا بد أن يصطدما يوماً في المنازلة الكبرى التي يعد لها الطرفان منذ أكثر من ثلاثة عقود وأن هذا اليوم قادم لا محالة... ولن يستطيع أي سياسي أو ديبلوماسي غربي محنك أن يوقفه مهما استعمل من حيل أو مكائد أو سبل خداع.. لأنه كما الساعة اَتية لا ريب فيها ..".
ثم يدق الحسيني ناقوس الخطر محذراً الغرب "خذوا حذركم جيداً.. من تلاعب "أيادي الصهيونية العالمية من خلال اللعب بالنار مع الدب الروسي.. بأننا لا نزال من يملك زمام المبادرة وأن بإمكاننا ليس فقط تغيير قواعد الاشتباك بل وتغيير اللعبة برمتها".
ويكمل الحسيني تحذيره بالقول: "حوارنا معكم عبر جنيف3 الإيراني أو ما تبقى من جنيف 2 السوري ... لا يمكن أن يدوم عبر محاولات نقضه المتكررة بلغة القوة الناعمة.. لأن ذلك قد يتحول في لحظة ما لو قرر كبيرنا أو كبراؤنا أنه نقض لكل اتفاقاتنا معكم وعندها سنكون في حل من أي التزام جواري معكم وساعتها لا يلومّن أحد إلا نفسه لأنه ستبقى يدنا هي العليا..!".
ويستطرد الحسيني: "إذا حاولتم التوسل بجنون المقامرين على حاملة طائراتكم الإسرائيلية فلتعلموا جيداً أن حرب الـ33 يوماً هذه المرة لن تطول ولا حتى 11 يوماً وما كنتم رأيتموه في الحروب السابقة سيكون أشبه بالبلاي ستيشن ... لانكم عندها لن تعرفوا من أين وكيف سيخرج الخصم وأي سلاح يعمي به بصركم..!".
في فصل "العقل الإيراني البارد وفصول طهران الأربعة"، يفكك الحسيني للقارئ هذا العقل قائلاً إن "طهران الأمة والإمام اعتمدت ولا تزال على ما هو أبعد من مجرد رواق حوار ومفاوضات.. إنه عقلها الضارب في جذور عقيدتها وهويتها الدينية والثقافية".
ويتابع الحسيني "إنه المؤثر الأكبر في رأي المتابعين للشأن الإيراني.. وهو المؤثر الذي طبع مسيرة الوصول الى الاتفاق النووي بين طهران وعواصم صنع القرار العالمي" .
وبهذا العقل "تمكن الإيرانيون من طي مسيرة الإثني عشر عاماً.. من دون إعتماد إلا على الله عز وجل.. إنها منظومة الإمام الخميني الرجل المؤسس.. والتي يقود سفينتها اليوم المرشد السيد الخامنئي بكل دقة وحنكة".
يقول الحسيني: "الراسخون في علم ما جرى وسيجري... يلخصون ملامح السيرة الإيرانية الحديثة بما يلي:
1-           العقل السياسي الإيراني هو جزء من منظومة عيون أربعة يعتمدها الحاكم الإيراني، العقل واحد منها، بالاضافة الى العلم والعزيمة والعقيدة.
2-           فصول التحول والتغيير في إيران أربعة.. والألوان في إيران ليست أسود وأبيض فقط بل هي ألوان قوس قزح السباعية كلها ..
3-           السياسة في إيران ليست فن الممكن كما هو شائع.. بل هي تحويل غير الممكن الى ممكن .
4-           الدين في إيران ليس إطاراً أيديولوجياً نمطياً جامداً يلبّي منهج حياة متكامل. إنها ديبلوماسية حياكة السجاد الإيرانية.. بعقلها البارد المتوّج بفن التهديف في الدقيقة تسعين وسياسة الذبح بالقطنة. وهذه المرة بإنجاح تجربة نووية من دون تفجير قنبلة، تثبت إيران اليوم من جديد للعالم المثل العربي الشهيرالقائل: "أكبر منك يوم أعقل منك سنة".. ويضيف الحسيني أن "ما عليكم إلا أن تحسبوا الفارق بين عمر دولة ضاربة جذورها في الأرض وفرعها في السماء وبين دولة عمرها لا يتجاوز الأربعمائة عام".
 
يرى الحسيني أن "ترامب يكاد يلامس موقعية ودور الزعيم السوفياتي غورباتشوف بالنسبة لأميركا، بكل ما يقوم به منذ أن صعد الى المسرح السياسي، وهو يعتقد أن ترامب سيذهب بكل قواه للمساهمة بتفكيك الإميرطورية المصابة أصلاً بالشيخوخة المبكرة منذ أن تجرعت كأس السم على بوابات وتخوم حواضرنا أكثر من مرة منذ حرب تموز 2006 في لبنان، حتى هزيمتهم على سواحل باب المندب..فأميركا تتجه في رأيه نحو الخراب والتقهقر ويأفل نجمها يوماً بعد يوم، معتبراً أن من يلتقط الإشارة منا يفوز، ومن لم يلتقطها لم يبلغ الفتح.
ويكشف الكاتب أمية ترامب في فصل بعنوان "إيران إيران إيران في يقظتهم كما في المنام" من خلال قوله بترامب: "اذا كنت لا تعرف قاسم سليماني فلا يحق لك الحديث عن الاتفاق النووي، فقد فضحت ترامب وكشفت أميته السياسية..لأن ترامب لم يكن يعرف يومها الفرق بين قاسم سليماني ومدينة السليمانية في العراق".
يؤكد الحسيني رؤيته بأن الولايات المتحدة تواجه إيران نداً بند وأن معركة واشنطن الأولى والأساسية هي إيران كما كانت معركتها الأساسية مع الاتحاد السوفياتي قبل انهياره. حيث يقول الباحث الأميركي مايكل بريجنت من مؤسسة هادسون البحثية وهو يروّج لترامب: "لقد عملت لدى الجنرال بترايوس والجنرال اوديرنو، قائدي القوات الأميركية العاملة في العراق السابقين، ولدى الجنرال جون ماتيس، وزير الدفاع الحالي في عهد ترامب، أتعرفون ما هي أول نقطة طرحها علينا ماتيس في مقر القوات المركزية الأميركية؟، هي: علينا التفكير بثلاثة أشياء هي إيران، إيران، ومن ثم إيران".
في مكان اَخر يجيب مايكل ليدن، المستشار السابق لمجلس الأمن القومي الأميركي ومسؤول قسم إيران في معهد "انتربرايس" المقرب من عقلية ترامب، رداً على سؤال وجه له حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران بالقول:"هذا سؤال مغلوط، مشكلتنا مع إيران نفسها، وليس الاتفاق النووي معها، ما هو مهم لنا أن لا تبقى إيران هي الداعم الأساسي للإرهابيين في العالم(أي المقاومة)، وأن تمتنع عن صنع السلاح النووي والصواريخ الباليستية.. وأن تكف إيران عن القول للموت لأمريكا". ويضيف ليدن عن إيران: "نحن في حالة حرب مفتوحة معها..على النظام الإيراني أن يتغير، نحن نريد الإطاحة بالنظام".
تنبع أهمية الكتاب من كون مؤلفه محمد صادق الحسيني يعتبر رائداً للديبلوماسية الشعبية الإيرانية. فما أن ينتهي من زيارة بلد حتى يستعد ويعد العدة لزيارة بلد آخر، حيث زار حوالي 40 بلداً، وهو يتقن أربع لغات هي الفارسية، العربية، الألمانية والإنكليزية. 
اشتهر الحسيني بمقولته المأثورة "وحدة الدم ووحدة الساحات"، ولعب دوراً كبيراً في تطوير العلاقات الإيرانية – العربية، ودوراً أبلغ في العلاقات الإيرانية – المصرية، وكثيراً ما يشدد على ضرورة تطوير العلاقة مع مصر. كيف لا وهو الذي يصبح ويمسي مستشهداً في كل جلساته بتعاليم صاحب شخصية مصر، جمال حمدان، وصاحب "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" عبد الوهاب المسيري. ويعتبر الحسيني أن الأخيرين يشكّلان بأدبياتهما جناحين نطير بهما لاكتشاف الكيان الصيهوني على حقيقته.
كما لعب  الحسيني دوراً مهماً في مراحل حياته في دعم حركات التحرر ابتداءً من فلسطين واليمن حتى العراق ولبنان من خلال زيارات ميدانية للعراق وسوريا ولبنان، فضلاً عن أن الكاتب اشتهر عنه أنه كثير الأسفار فقد كان محظوظاً في مسيرته الصحافية حيث زار العديد من بلاد العالم.
للحسيني تجربة طويلة في العمل السياسي في إيران حيث واكب كل مراحلها منذ انطلاق الثورة الإسلامية وصولاً إلى تأسيس "الجمهورية الإسلامية"، حيث عرف كل قياداتها وعاش كل مراحل الحروب والمواجهات ضدها.
ولا شك أنه يعتبر من النخبة الإيرانيين القلة الذين يشكّلون برؤيتهم همزة الوصل الأساسية مع العرب وبالأخص مع مصر.
نشرت المقالة في قناة الميادين رابط 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رغم التحشيد الاستراتيجي ترامب خائف من المواجهة مع ايران وروسيا ...!

مقابله السيد محمد صادق الحسيني مع اذاعه النور اليوم. 3_7_2017

زلزال سياسي في شبه القارة الهندية السعودية تخسر الباكستان والشعب يستعيد روح محمد علي جناح...!